تحتفل مصر هذا العام بالذكرى ال46 لنصر السادس من أكتوبر 1973، وتحرير أرض الفيروز من الاحتلال الإسرائيلى، التى خاضت القوات المسلحة العديد من الحروب على مر التاريخ للمحافظة عليها، واكتمل التحرير بعودة طابا عام 1988، بعد أن احتلتها إسرائيل عقب حرب يونيو عام 1967.
حيث تعد حرب أكتوبر المجيدة علامة مضيئة فى تاريخ العسكرية المصرية العريقة، تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات فى أن تكون مفتاحا لنصر مبين، وضحى من أجل سيناء آلاف المصريين للحفاظ على أغلى بقعة فى الوطن،
وتعد حرب أكتوبر، أو حرب تشرين التحريرية وهي حرب شنتها كل من مصر وسوريا بمشاركة الشهيد ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينيه على إسرائيل عام 1973، رابع الحروب الإسرائيلية، بعد حروب أعوام 1948 (فلسطين)-1956 (السويس)-1967 (الأيام الستة) كما وساهمت بعض الدول العربية في تلك الحرب بالدعم العسكري أو الاقتصادي. وتمكنت القوات المصرية من تحطيم خط بارليف وعبور القناة، وتوغلت بعمق 20 كلم في سيناء، بينما دخلت القوات السورية إلى عمق هضبة الجولان وصولا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
مصر نجحت في خداع العدو الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر بشكل واضح، وهو ما أكد عليه المسئولين الإسرائيليين، حيث أن الرئيس الراحل أنور السادات اتخذ خطا شديد العبقرية بعد انتصار حرب أكتوبر لتحقيق السلام في المنطقة.
كانت حرب أكتوبر بمثابة زلزال، فللمرة الأولى فى تاريخ الاحتلال الاسرائيلي حاول العرب ونجحوا فى فرض أمر واقع بقوة السلاح، ولم تكن النكسة مجرد نكسة عسكرية، بل أصابت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التى تتكون منها قوة وحيوية أى أمة.
لقد دفع الإسرائيليون ثمنا غاليا لمجرد محافظتهم على حالة التعادل بينهم وبين مهاجميهم، وعادلت خسائرهم فى ظرف 3 أسابيع ما خسرته أمريكا خلال 10 سنوات فى حرب فيتنام مرتين ونصف، كان الجنرالات الإسرائيليون ورفاق السلاح يلقون محاضرات على جمهورهم المعجب بهم حول حملاتهم المختلفة، وما كادت حرب 1973 تبدأ، حتى أخذوا يتبادلون الاتهامات وأقسى الإهانات، وللمرة الأولى شاهد الإسرائيليون المنظر المخزى لأسراهم ورءوسهم منكسة على شاشات التليفزيون العربى
وبحسب شهادات المؤرخين العسكريين، فإن التخطيط للحرب تم ببراعة جعلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية وحتى الأمريكية عاجزة عن فهم ما يحدث ولم يكن أحد في إسرائيل على استعداد للتصديق بأن الحرب قادمة إلا مع وقوع الحدث فعلا، وأن الأكثر قدرة على إثارة الدهشة من براعة المخططين في البلدين، هو الجبهتان السورية والمصرية اللتان شهدتا تحركات وحشودا ونقل عتاد لم تقو القدرات الاستطلاعية والمخابراتية على تفسيره بطريقة تصب في قناة الاعتقاد بأن الحرب على وشك الوقوع فرئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، «جولدا مائير» لم تعرف مع كل وزرائها المجتمعين معها ما يحدث إلا حين قطعوا عليها اجتماعها ليبلغوها أن الحرب قامت فعلا!! فوقفت هي ووزير حربها موشي دايان مصعوقين وأثار الذهول الجميع ولم يصحوا منه عدة أيام متتالية.
مارست القيادة والمخابرات المصرية الخداع الاستراتيجي بحِرفية عالية، مكَّنتها من خداع القيادة السياسية في تل أبيب وجعلتها على ثقة تامة من عدم قدرة أو رغبة مصر في خوض حرب جديدة مع إسرائيل، الأمر الذي جعل حرب 6 أكتوبر مفاجأة مدوية الاحتلال الاسرائيلي، أربكت معه جيشها ووضعته في حالة ذهول وغيّرت كل حساباته، كانت «خطة الخداع الاستراتيجي» التي وضعها المشير محمد عبد الغنى الجمسي والتي أوحت للعدو وقتها بعدم جدية مصر في اتخاذ قرار الحرب. وكان ذلك لدرجة التنسيق العالي الذي تم بين مصري وسوريا وياسر عرفات، ولعل النصر السريع في حرب أكتوبر ما كان ليتحقق لولا وجود عنصري الخداع والمفاجأة، حيث وجهت المخابرات المصرية والسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية أكبر صفعة للموساد الإسرائيلي الذي سقط هو الآخر كأسطورة الجيش الذي لا يقهر
إن انتصار أكتوبر لا يمثل مجرد انتصاراً عسكرياً في معركة لاسترداد الأرض، بل تعدى ذلك إلى كونه انتصاراً على اليأس والإحباط من أجل استرداد الكرامة حرباً وسلاماً وتنمية .. فقد كانت حرب أكتوبر في الأساس حرباً من أجل السلام والتنمية بعد استرداد الحق المسلوب، وعلى مدار أكثر من 46 عاماً مضت، أثبتت مصر دولة وشعباً، قدرتها على صيانة مكتسبات السلام ومقاومة أية متغيرات طارئة تسعى للنيل منها لتقويض أهداف التنمية والاستقرار، استطاعت الدولة المصرية بكل مؤسساتها أن تتجاوز كل العقبات والمعوقات التي هددت دولتنا حضارياً وإنسانياً، لقد حافظت مصر دوماً على مبادئ العدل والسلام الساعي دوماً لتحقيق التنمية والازدهار.
وعلى مدى عقود كان الجيش جزءا من الشعب ، لم يتخل يوما عن دوره في تأمين حدوده الخارجية وجبهته الداخلية، وامتد دوره الى الحياة المدنية ، يحل الأزمات ويسهم في تنفيذ مشروعات قومية وخدمية تعود بالنفع على كل ابناء الوطن وتبقى للاجيال شاهدا على عمق العلاقة بين الشعب وجيشه الوطني ، كما وقف الجيش دائما الى جانب ارادة الشعب وورائها يحميها ويؤمنها.
يوم 6 أكتوبر يوم من أيام مجد مصر شاء من شاء و أبى من أبى، : "إنه يوم ثأر فيه المقاتل المصرى لكل شهداء مصر و حقق عبورا خارقا للمنطق قبل عوامل الطبيعة و موانع بارليف الصناعية، يوم تجاوز فيه الجندى المصرى الألم المر و المحزن لحرب 5 حزيران ليخلد نصرا و فرحة لن تنسى أبدا".
ورغم مرور 46 عاما على حرب أكتوبر وصدور عشرات الكتب وعقد العديد من الندوات والمؤتمرات ونشر آلاف المقالات عنها، فإنها لا تزال تحمل العديد من الأسرار، حيث تُعد «معجزة عسكرية بكل المقاييس» كما وصفها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عشية الانتصار.