كل إنسان فى هذه الحياه يجب أن يكون له أصدقاء ولكن ليست كل الصداقات ولكن المطلوب هو الصداقه الصالحه التى تعود بالنفع على الصاحب والصديق ولنعلم أن الصداقة الصالحة لها منزلة عظيمة في الإسلام، ولقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على حسن اختيار الصديق؛ لأن له أثرًا كبيرًا على صديقه؛فالصديق قد يكون سببًا في سعادة صاحبه في الدنيا والآخرة، وقد يكون سببًا في شقاء صاحبه في الدنيا والآخرة ..
والإنسان يحتاج إلى صديق في كل حال ، إما عند سوء الحال ليعاونه، وإما عند حسن الحال ليؤانسه، وليضع معروفه عنده، ومن ظن أنه يمكنه الاستغناء عن صديق، فهو مغرور، ومن ظن أن وجود الصديق أمر سهل، فقد جانَبَه الصواب، ولكثرة نفع الصديق ..
وقد سئل حكيم عن الصديق فقال: هو أنت بالنفس، إلا أنه غيرك بالشخص،فإذا وجد الإنسان أصدقاء ذوي ثقةٍ، وجد بهم عيونًا وآذانًا وقلوبًا كلها له، فيرى الغائب بصورة الشاهد، واختيار من تميل إليه لتصادقه أمرٌ صعب؛ إذ قد يدافع عنك الإنسان الناقص فتظنه فاضلً
ولكن هل يستطيع المسلم أن يختار صاحبه؟ البعض يقول: لا يمكن، لأن الصديق قدر كوني شأنه شأن الوالدين والإخوة، فحيثما اتجهت في حياتك وجدت صاحبك ، وهذا الكلام غير صحيح، ولو كان الأمر كذلك لما ورد لوم الآثم نفسه يوم القيامة بقوله: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) ..
بل إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، أمر بالتأمل في نوع الصديق الذي تصاحبه، ومراجعة النفس ذلك عندما قال: "فلينظر أحدكم من يخالل"، فالإنسان محاسَب حتى في اختيار صاحبه؛ لأن بإمكان كل إنسان أن يختار مَن يصاحب، فيقترب من هذا ويبتعد عن ذاك، ويقطع علاقته بهذا ويستمسك بعلاقته بذاك.
وقد يبدأ مسار الصحبة في مكان يجمع بين الناس كالمدرسة أو الجامعة أو العمل، وقد تبدأ الصحبة بموقف ما، قد تبدأ بمجلس، أو تبدأ بمأدبة عشاء أو غداء فينقدح للنفس ميل تجاه حديث تحدث به، أو سلوك راقٍ سلكه، أو خلق تخلق به، فيتطور ذلك الميل إلى حرص على الصلة به، ودعوته للمناسبات، أو يتطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، كصحبة في سفر أو نحوه، حتى تتشكل الصداقة أو الصحبة.
فمرجع الرغبة في الصداقة إلى النفس فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم "القلوب أرواحٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف". ويقال الخيِّر من الناس يحن إلى شكله، والشرِّير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناثرت، فالإنسان يختار من الأصدقاء من يظنه أقرب الناس لطباعة وأهوائه.
وإن من دوافع الصحبة أنواع، فقد تكون دوافع الصحبة دنيوية كالانتفاع بمال صديق، أو الانتفاع بسلطانه وجاهه أو نسبه، أو علمه الدنيوي، أو الاستئناس بحسن معشره والجلوس معه، وكلها أمور تباح أو تحرم بحسب نية كل إنسان، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ ولذلك قد يقصد بالصحبة والصداقة وجه الله تبارك وتعالى ومنفعة الآخرة، وقد يشترك مع الدافع عدة فوائد وأغراض متداخلة، مثل الرغبة في الاستفادة من العلم النافع الذي يتمتع به ذلك الصديق، وفي الوقت ذاته الرغبة في الانتفاع بوجاهته.
وأشرف الدوافع في الصُّحبة بلا شَكٍّ هو تمنِّي الوقوع تحت ظل الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، فقد قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم "سبعة يُظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه ومنهم قال: "ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
ومن أشرف الغايات كذلك اجتماع القلوب، قلوب الأصدقاء على محبة الله، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فيما بلغ عن رب العزه سبحانه فى الحديث القدسى "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء".
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فى حديث قدسي قال الله تعالى "حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ".
والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من التهاون في اختيار الصاحب الجليس، وحتى لو كان المسلم ضعيف الإيمان فلا يمنعه هذا من مجالسة الصالحين، بل هو عين العقل، ولو جالس العصاة لزاد ايمانه ضعفاً، فالإنسان يطلب الهداية بكل وسيلة وبمختلف الأسباب، ويجاهد نفسه على ذلك، وإلَّا فما عذره عند الله؟.
الصديق من الصدق، والصدق يشمل صدق اللسان، وصدق الموقف، وصدق الموقف أي صدق الأهل والوعد، وصدق النصح، وصدق المشاعر، لا يشرك في صحبته لك مصلحة دنيوية إذ انقضت مصلحته انقضت معها حرارة صحبتك، فالصديق الصادق هو الذي يصحبك في الله ولله، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك، ويقف معك في الضراء ويعينك على الخير ويمنعك عن الشر، وقد قيل: صديقك من صَدَقَك، لا من صَدَّقك.
وكان بعض السلف يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنةً، يقوم بحاجتهم، يتردد كل يومٍ إليهم ويمونهم من ماله، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه، بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيهم في حياته،وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه، وبهذا تظهر الشفقة،والأخوة إذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه، فلا خير فيها.
فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك، أو أهم من حاجتك، وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة، غير غافلٍ عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال والاستعانة وتفقدوا إخوانكم بعد ثلاثٍ، فإن كانوا مرضى فعُودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسُوا فذكروهم .