كم من امرئٍ وقع تحت طائلة أنه على استحقاق لما يقال عنه أنه مثالي.. ولكنه لا يدرِ أنه قد وقع فريسة المثالية المزيفة ؟! هل أنت إنسان مثالي وأنت متلَّفِحٌ بجدرانك الأربعة؟! إما أنها تحويك.. أو تسير جوارها خشية أن تصدمك الأهوال بين الطريق؟! إن تلك الجدران ما هي إلا كناية عن كل ما يحيط بنا من عمل وأقارب وأحداثنا اليومية العابرة..وتلك هي الدائرة التي يتمركز في فلكها أي شخص.. وحينما يصطدم بأي موقف في نطاق محيطه ويبلي بلاءًا حسنًا يدهش من حوله.. يصفق الجميع لمثاليته النادرة..
حقًّا.. لم تكن تلك هي المثالية.. إن المثالية بمفهومها الأشمل والأعم هي أن تترك الفرجار يرسم لك دائرةً يكون نصف قطرها أكبر قليلًا..ثم انظر لنفسك وأعد تقييمها.. إن المثالية هي حالك وأنت تواجه حدثًا خارج المألوف مُتزحزحًا ولو قليلًا عن الحائط الذي التمست الحذو جواره.. انظر الآن هل تُراك مثاليًا؟!
إليكم حكاية ٌ تدعو للتأمل وهي حكاية الراهب الذي بات يعبدُ ربه سبحانه وتعالى سبعين عامًا من سني عمره متحوطًا بجدرانه الأربعة ولا يشتري ما يأكل إلا اليسير فقط مما حول داره.. وحينما وطئت قدمه أرض المدينة ولأول مرة بعد كل عمره تاركًا خلفه صومعته.. إذا وقع في حب امرأة فزني بها.. أين هنا محل المثالية الآن؟!
كثيرٌ منا قد ترسّخت في ذاته نظرته المثالية لذاته وبات حارسًا لها.. وحين يباغته حدثٌ مُزلزلٌ ينقلب!
إنني أدعوكم فقط حين تَزحزُحِكُم قليلًا عن جدرانكم.. أن تنظروا بحق الله وتتأملوا ماذا أنتم صانعون..
فليكن الخيال الآن مرتعًا خصبًا لكم جميعًا لذلك الحدث الذي صادفكم بحياتكم.. وليسند كل امرئٍ ذراعه على إحدى ركبتيه ويده على إحدى وجنتيه وياحبذا لو كانت اليمني لأن الشيطان لن يكون له دور ٌ الآن.. ثم ينظر لنفسه ويشاهد فيلمًا قد قام هو ببطوله.. وله أيضًا دور الناقد.. ويستمتع... آهٍ... سيندهش الجميع من نفسه التي تسكن فيه وترتع منذ أن صاح أول صيحة بالدنيا... إنه ليس هو.. حتمًا ليس هو.. ليس هو الذي يطرح الآن بكل مثاليته أرضًا.. إنه آخر.. إنه أجرأ.. إنه يُخرج ما لديه من مكبوت بكل أريحية.. إنه يظلم غيره.. وربما حبيبه..
إنه حتمًا سيدرك أن حدثًا خارج فلكه جعله يتيقن أن مثاليته ما هي إلا شعارات.. ما هي إلا زيف..
حين اكتشاف عدم مثاليتك لا تجلد ذاتك بل قوِّمها.. وأيضًا لا تعُد للجدران الأربعة... لكن ارسم دائرة أكثر عمقًا تحوي بعمقها كل المصادفات والمباغتات لتقترب من المثالية أو كما يسمونها...
أنت مثالي كونك لا تسخط أن العالم ليس مثاليًا... لكن تراهُ عالمًا يُصيب بعد أن يخطئ..
إن زُحزحت يومًا عن مركز الدائرة عد ولا تيأس... لقد دخل الراهب الجنة بعدما محى خطأهُ الأوحد كل حسناته طيلة السبعين عام.. فقط مُقابل تصدقه برغيف خبز...